الرئيسية| التقارير |تفاصيل الخبر

استرخاص الذات في ثنايا "أبراهام"

استرخاص الذات في ثنايا "أبراهام"
استرخاص الذات في ثنايا "أبراهام"

أرنست خوري


لا داعي لأن يكون المرء فلسطينياً ولا مناهضاً إسرائيل ولا أي احتلال آخر، ولا حتى مواطناً في بلد بعيد مثل أستراليا، لكنه حسّاس حيال استمرار آخر حالة استعمارية في العالم، لكي يستفزّه ما سبق ورافق وتلا الاتفاق الإماراتي ــ الإسرائيلي. ضعْ جانباً ما يتعلق بالفلسطينيين وقضيتهم، وبإسرائيل وعنصريتها. يكفي التعامل مع الموضوع كمراقب أجنبي، محايد، وتأمُّل الشكليات والسلوكيات والخطاب المستخدم من المسؤولين الإماراتيين، وقلة الحياء والأفواه الفاغرة والانبهار المبتذل بكل ما هو إسرائيلي، وما يستتبعه من كره للذات. تقصُّد حكام الإمارات القول إنهم يرون في إسرائيل نموذجاً يُحتذى في الاقتصاد والثقافة والسياسة والعلوم والمجتمع والديمقراطية والعسكر والأخلاق والطب والتجسس والتكنولوجيا، يُطبِق على الأنفاس لكثرة ما يبدو متزلفاً. مجدّداً، لا حاجة لمناقشة صوابية هذا الرأي بإسرائيل من خطئه، بالجملة أو بالمفرّق. تكفي ملاحظة هذه الحماسة في إظهار الإعجاب بنموذجٍ لن يبقى نموذجاً ما إن يُقارن ببلدانٍ لا تحظى بأي إشادات إماراتية مع أنها أحياناً أقرب جغرافياً وثقافياً لهذا البلد الخليجي من إسرائيل. الانبهار الإماراتي ثقيل الظل والمبتذَل بكل ما هو إسرائيلي، لم يكن مكبوتاً تماماً قبل إعلان اتفاق "أبراهام" (13 أغسطس/ آب 2020)، غير أنه ظل مقسَّطاً على سنوات، غزل يصدح ثم ما يلبث أن يخبو. لكن حلّ الحدث، فانفجر الإعجاب مرة واحدة، وغاب من يُقنع حكام الإمارات بفوائد الترفع قليلاً وعدم التغني هكذا بهذا الشكل الفاضح والمجاني في إسرائيل إلى درجة إعراب مساعد وزير الخارجية الإماراتي، عمر سيف غباش، عن توقه لزيارة تل أبيب بهدف تحسين لغته العبرية التي يدرسها منذ فترة على يد معلمة إسرائيلية، ولكنه لم يتقنها كفاية بعد بما يسمح له باستخدامها لإجراء المقابلة التي نشرتها معه صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الخميس الماضي. لا علاقة لأي نقد من هذا النوع بالتخلف والذكورية والسماجة التي رافقت رسامي كاريكاتير عرب صوّروا الإمارات كزوجة متيّمة أمام الزوج الرصين (إسرائيل). لكن بعيداً عن أمراضنا المزمنة، والتي لا تبرر انبهارنا الغبي بكل ما هو غير عربي، فقط نكاية بذاتنا أو انتقاماً منها، جدير تذكُّر كيف ظهر استرخاص النفس منذ اللحظة الأولى لطباعة أحرف الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي: غرّد محمد بن زايد بدايةً أن الاتفاق أنجز تجميداً لضم مناطق من الضفة الغربية، فلم يبقَ مسؤول إسرائيلي، من ضمنهم بنيامين نتنياهو، إلا وكذّبه في غضون دقائق، بشكل غير دبلوماسي بالمناسبة. الصمت إزاء التكذيب كان ثقيلاً في أبوظبي. مرّ يوم أو اثنان على إعلان الاتفاق، فانهالت الحوارات الإعلامية من الاتجاهين. لكن لا شيء يقارَن بحوار "سكاي نيوز" بنسختها الإماراتية مع نتنياهو، وفداحة أداء المذيعة فضيلة السويسي التي "حاورته" كتلميذة تسأل لتتعلم، لا كإعلامية.



لماذا يصعب إلى هذه الدرجة على العقل الإماراتي الرسمي أن يفهم أن روايته ستحظى بانتشار أوسع واقتناع أكبر في حال اشتُغلت بذكاء، على الأقل برداء نقدي بدل التهافت على هيئة مقال يوسف العتيبة (شالوم) في "يديعوت .."، ومقابلات أنور قرقاش وعمر سيف غباش وغيرهما في الإعلام العبري؟ هل يعقل أن المسؤولين الإماراتيين لا يدركون أن ثمة قانوناً في أميركا عمره 12 عاماً يمنع بيع العرب (تحديداً) أي سلاحٍ يكسر التفوق العسكري الإسرائيلي، فيُهان الخطاب الإماراتي مجاناً في الساعات الماضية بسبب إصراره على أن بمقدوره إقناع واشنطن ببيع أبوظبي طائرات "أف 35" أميركية؟



فَهْم سبب الإصرار على البهدلة في السياسة يحتاج جهداً من أهل علم النفس والعلوم الاجتماعية. كذلك حال استيعاب ظاهرة كره الذات الجماعية. كان يمكن للإمارات أن تفعل ما فعلته، من دون أن تحوّل نفسها إلى مسخرةٍ على الأقل في الشكل. كان يمكن للإمارات أن تجاهر بأن نظرتها إلى نفسها وإلى دورها وإلى محيطها وهويتها وتحالفاتها ومصالحها تضعها إلى جانب إسرائيل، من دون كل هذا الجهد في امتداح الإسرائيليين، فقط بهدف شتم الفلسطينيين.



26 اغسطس 2020

مقاطعة نشطة

الأكثر قراءة

أخبار ذات صلة