الرئيسية| التقارير |تفاصيل الخبر

رأي في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي

رأي في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي
رأي في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي

شفيق ناظم الغبرا


ولد الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بلا حوار مع شعوب الإقليم العربي ونخبه الثقافية والسياسية، ولم يقع حوار ضمن الإمارات وشعبها وبين قادة الإمارات كالشارقة وعجمان وغيرهما. كما لم يقع حوار ضمن دول مجلس التعاون الست. لقد خلق الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي فرحة في إسرائيل وألما في فلسطين والعالم العربي. لكنه بنفس الوقت خلق الاتفاق روحا جديدة للمقاومة.



ويختلف الاتفاق عن كل الاتفاقات التي سبقته. فكل اتفاق سابق قامت به مصر والأردن والفلسطينيون تم باسم تغير الموقف الإسرائيلي لصالح عودة القدس وتحرير الأرض وإقامة دولة فلسطينية وحق العودة، أما هذا الاتفاق فيتحدث عن علاقة تحالف في ظل الأبارتايد الصهيوني والاحتلال والتهويد وتغيير معالم القدس العربية. إن الفائدة الإسرائيلية الأهم من الاتفاق تتلخص ببناء علاقة استراتيجية مع دولة عربية بعيدة عن حدود الكيان الصهيوني. الإمارات دولة ذات سيادة، لكن السيادة في هذه الحالة تناقضت مع الحقوق الفلسطينية والعربية والعدالة في فلسطين.



لم تكن الإمارات العربية المتحدة مضطرة لهذا الاتفاق، كما أنني لا أجد تفسيرا لمقاطعة الإمارات للسلطة الفلسطينية ( الشديدة الاعتدال)، فكما وصف د. صائب عريقات في مقابلة تلفزيونية منذ أيام: هذه المقاطعة تمت منذ 2014. لقد قاطعت الإمارات كلا من حماس إضافة للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، مما يوضح طبيعة التوجه الذي يساير التوجهات الأمريكية والصهيونية.



هذا التوجه سيعقد الصراع العربي الإسرائيلي ولن يساهم بالسلام، فالاتفاق ينم عن حالة فرض جديدة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل. كان بإمكان الإمارات أن ترفض الضغوط والوعود، لكن يبدو أنها دخلت في سياق صار له عدة سنوات وأن التراجع عنه لم يعد ممكنا.



لقد فتحت الإمارات الباب واسعا لسياسة مغامرة طبعت توجهاتها في السنوات الأخيرة. فقد تورطت في حرب اليمن، وفي مواجهة في ليبيا، كما حاولت التأثير على الانتخابات التونسية، بينما تخوض معركة اجتثاث ضد تيار الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي، والإمارات أيضا في صراع مع إيران وصراع آخر مع تركيا كما ولعبت دورا مفصليا في حصار قطر منذ 2017 كما إنها تفكر بأسلوب انقلابي تجاه الإقليم العربي، ورغم وجود وزارة للسعادة إلا أنها من أقل الدول اهتماما بحقوق الإنسان، وهي من أكبر موظفي الذباب الالكتروني الذي يتهجم على كل القضايا العربية. كل هذا وضع الإمارات في إطار مشروع سياسي وأمني أدخلها ضمن سياسة ترامب وسياسات اليمين الصهيوني.



إن تجميد الضم الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية والتي طرحت بصفتها أحد المكتسبات من الاتفاق، تم نفيها من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي، هذا «الوعد» الشكلي يشبه تجميد الاستيطان عندما وقع الرئيس السادات مع إسرائيل في كامب ديفيد عام 1979. لم يستمر ذلك التجميد لأكثر من ثلاثة شهور. وبعد كامب ديفيد بثلاثة أعوام شنت إسرائيل عام 1982 أكبر حرب على لبنان وبيروت (أدت لمقتل وجرح 30 ألف لبناني وفلسطيني) وذلك بهدف اقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية. ومن طبائع القدر أن خروج منظمة التحرير من لبنان هو الأساس الذي أدى لبروز المقاومة اللبنانية وحزب الله. كل حرب تلد أخرى وكل ظلم واقتلاع ينبت أنماطا جديدة من الغضب والمقاومة.
لكن من جهة أخرى إن قيام الإمارات، وفق الاتفاق، بالاستثمار في إسرائيل يطرح الكثير من التساؤلات. فهل تستثمر الإمارات مثلا في المستوطنات، أم في تكنولوجيا التجسس وتكنولوجيا إسرائيلية تستخدم لتهويد المناطق الفلسطينية والقدس؟ أم يتم استخدام ذلك الاستثمار في المواجهة مع إيران؟ إن أي استثمار في إسرائيل القائمة على الفصل العنصري والاحتلال الدائم وتهويد القدس وكل الأرض وحصار غزة هو استثمار لصالح الصهيونية. ذلك بحد ذاته تخلي عن المبادرة العربية التي اشترطت العدالة والانسحاب الشامل والقدس والدولة الفلسطينية كثمن للتطبيع.



وهناك تساؤل آخر يمس تبادل الاستثمارات بين الإمارات وإسرائيل: ما طبيعة الاستثمار الإسرائيلي في الإمارات؟ فقد نفت إسرائيل أن الإمارات ستستلم طائرات إف 35. ستتفاجأ الإمارات، بعد فوات الوقت، بالعقلية الصهيونية ومدى قدرتها على استغلال وجودها في الإمارات لصناعة التوتر ولفرض التجسس على المواطنين في كل الإقليم العربي والخليجي. ستتفاجأ بأنها ستصر على وجود طائرات إف 35 بطيارين إسرائيليين. تلك قفزة لصالح العسكرة والحروب.



هذا التوقيع بداية لعسكرة منطقة الخليج. وهذا يعني توترا ممكنا مع إيران، وانقساما خليجيا خليجيا أكبر مما هو قائم الآن، وهو سيعني أيضا مزيدا من التوتر التركي الإماراتي، كل هذه الأبعاد ستنعكس على منطقة الخليج بصورة أكبر. ففي المنطقة الآن قاعدة تركية سيتم تعزيزها بفضل إمكانية الوجود الإسرائيلي قربها، كما أن إيران التي لن تتقبل الوجود الأمريكي في الخليج، ستجد أنها متناقضة مع الوجود الإسرائيلي الجديد في الإمارات.
وبالفعل إسرائيل التي تواجه حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، والشعب الفلسطيني في كل الأرض ستتواجه مع إيران عبر الإمارات. فهل أصبحت الإمارات دولة مواجهة؟



هكذا بجرة قلم تسعى دولة الاحتلال، العاجزة عن التفاهم مع ملايين الفلسطينيين القاطنين على الأرض، للتفاهم مع من يبعد عنها آلاف الكيلومترات! إن الرد الأبلغ على هذا الاتفاق يتطلب إعادة اللحمة بين حركة فتح وحماس، ويتطلب بنفس الوقت بناء وحدة فلسطينية عابرة لكل المؤسسات والقوى الشعبية الفلسطينية والفصائل.



إن الرد على الاتفاق لم يكون ممكنا سوى بالنضال الوطني الشعبي على أرض فلسطين. يجب أن يكون الهدف الأساسي بناء حركة تحرر فلسطينية تقاوم الأبارتايد الصهيوني وتشمل فلسطينيي الداخل والخارج كما وتشمل إعادة الحياة للتحالف مع الأحرار المـؤمنين بالعدالة في العالم العربي والعالم.



19 أغسطس 2020

مقاطعة نشطة

الأكثر قراءة

أخبار ذات صلة